سورة الكهف - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


قوله تعالى: {نحن نَقُصُّ عليك نبأهم} أي: خبر الفتية {بالحق} أي: بالصدق.
قوله تعالى: {وزدناهم هدى} أي: ثبَّتناهم على الإِيمان، {وربطنا على قلوبهم} أي: ألهمناها الصبر {إِذ قاموا} بين يدي ملكهم دقيانوس {فقالوا ربُّنا ربُّ السموات والأرض} وذلك أنه كان يدعو الناس إِلى عبادة الأصنام، فعصم الله هؤلاء حتى عصَواْ ملِكهم. وقال الحسن: قاموا في قومهم فدعَوْهم إِلى التوحيد. وقيل: هذا قولهم بينهم لما اجتمعوا خارج المدينة على ما ذكرنا في أول القصة. فأما الشطط، فهو الجَوْر. قال الزجاج: يقال: شَطَّ الرجل، وأَشَطَّ: إِذا جار. ثم قال الفتية: {هؤلاء قومُنا} يعنون الذين كانوا في زمن دقيانوس {اتخذوا من دونه آلهة} أي: عبدوا الأصنام {لولا} أي: هلاّ {يأتون عليهم} أي: على عبادة الأصنام {بسُلطان بَيِّن} أي: بِحُجَّةٍ. وإِنما قال: {عليهم} والأصنام مؤنَّثة، لأن الكفار نحلوها العقل والتمييز، فجرت مجرى المذكَّرين من الناس.
قوله تعالى: {فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً} فزعم أن له شريكاً؟!


قوله تعالى: {وإِذ اعزلتموهم} قال ابن عباس: هذا قول يمليخا، وهو رئيس أصحاب الكهف، قال لهم: وإِذ اعتزلتموهم، أي: فارقتموهم، يريد: عبدة الأصنام، {وما يعبدون إِلا الله} فيه قولان:
أحدهما: واعتزلتم ما يعبدون، إِلا الله، فإن القوم كانوا يعبدون الله ويعبدون معه آلهة، فاعتزل الفتية عبادة الآلهة، ولم يعتزلوا عبادة الله، هذا قول عطاءٍ الخراساني، والفراء.
والثاني: وما يعبدون غير الله؛ قال قتادة: هي في مصحف عبد الله: {وما يعبدون من دون الله}، وهذا تفسيرها.
قوله تعالى: {فأووا إِلى الكهف} أي: اجعلوه مأواكم، {ينشرْ لكم ربكم من رحمته} أي: يبسطْ عليكم من رزقه، {ويهيِّءْ لكم من أمركم مرفقا} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي: {مِرفَقا} بكسر الميم، وفتح الفاء. وقرأ نافع، وابن عامر: {مَرفِقا} بفتح الميم، وكسرالفاء. قال الفراء: أهل الحجاز يقولون: {مَرفِقاً} بفتح الميم وكسر الفاء، في كل مرفق ارتفقت به، ويكسرون مِرفق الإِنسان، والعرب قد يكسرون الميم منهما جميعاً. قال ابن الأنباري: معنى الآية: ويهيِّئ لكم بَدَلاً من أمركم الصَّعب مرفقاً، قال الشاعر:
فليتَ لنا من ماءِ زمزمَ شَربَةً *** مُبرّدةً باتت على طَهَيانِ
معناه: فلَيت لنا بدلاً من ماء زمزم. قال ابن عباس: {ويهيِّئ لكم}: يسهِّلْ عليكم ما تخافون من الملِك وظلمه ويأتِكم باليُسر والرِّفق واللُّطف.
قوله تعالى: {وترى الشمس إِذا طلعت} المعنى: لو رأيتَها لرأيتَ ما وصفنا. {تزاور} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: {تَزَّاوَرُ} بتشديد الزاي. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: {تَزَاور} خفيفة. وقرأ ابن عامر: {تَزْوَرُّ} مثل: تَحْمَرُّ. وقرأ أُبيّ بن كعب، وأبو مجلز، وأبو رجاء، والجحدري: {تَزْوَارُّ} باسكان الزاي، وبألف ممدودة بعد الواو من غير همزة، مشددة الراء. وقرأ ابن مسعود، وأبو المتوكل، وابن السميفع: {تَزْوَئِرُّ} بهمزة قبل الراء، مثل: تَزْوَعِرُّ. وقرأ أبو الجوزاء، وأبو السماك: {تَزَوَّرُ} بفتح التاء والزاي وتشديد الواو المفتوحة خفيفة الراء، مثل: تَكَوَّرُ، أي: تميل وتعدل. قال الزجاج: أصل تزاور: تتزاور، فأدغمت التاء في الزاي، و{تقرضهم} أي: تعدل عنهم وتتركهم، وقال: ذو الرمة:
إِلى ظُعُنٍ يَقْرِضْنَ أجْوَازَ مُشْرِفٍ *** شِمالاً وعَنْ أيْمانِهِنَّ الفَوَارِسُ
يقرضن: يتركن. وأصل القرض: القطع والتفرقة بين الأشياء، ومنه قولك: أقرِضني درهماً، أي: اقطع لي من مالك درهماً. قال المفسرون: كان كهفهم بازاء بنات نعش في أرض الروم، فكانت الشمس تميل عنهم طالعةً وغاربةً لا تدخل عليهم فتؤذيهم بحرِّها وتغير ألوانهم. ثم أخبر أنهم كانوا في متسع من الكهف ينالهم فيه برد الريح، ونسيم الهواء، فقال: {وهم في فجوة منه} قال أبو عبيدة: أي: في مُتَّسَع، والجمع: فَجَوات، وفِجاء بكسر الفاء. وقال الزجاج: إِنما صَرْفُ الشمس عنهم آيةٌ من الآيات، ولم يرض قول من قال: كان كهفهم بازاء بنات نعش.
قوله تعالى: {ذلك من آيات الله} يشير إِلى ما صنعه بهم من اللطف في هدايتهم، وصرف أذى الشمس عنهم، والرعب الذي ألقى عليهم حتى لم يقدر الملك الظالم ولا غيره على أذاهم. {من آيات الله} أي: من دلائله على قدرته ولطفه. {من يهد اللهُ فهو المهتد} هذا بيان أنه هو الذي تولَّى هداية القوم، ولولا ذلك لم يهتدوا.


قوله تعالى: {وتحسَبُهم أيقاظاً} أي: لو رأيتَهم لحسِبتَهم أيقاظاً. قال الزجاج: الأيقاظ: المنتبهون، واحدهم: يَقِظ، ويَقْظان، والجميع: أيقاظ؛ والرقود: النيام. قال الفراء: واحد الأيقاظ: يَقُظ، ويَقِظ. قال ابن السائب: وإِنما يُحسَبون أيقاظاً، لأن أعينهم مفتَّحة وهم نيام. وقيل: لتقلُّبهم يميناً وشمالاً. وذكر بعض أهل العلم: أن وجه الحكمة في فتح أعينهم، أنه لو دام طَبْقها لذابت.
قوله تعالى: {ونُقَلِّبهم} وقرأ أبو رجاء: {وتَقْلِبُهم} بتاء مفتوحة، وسكون القاف، وتخفيف اللام المكسورة. وقرأ أبو الجوزاء، وعكرمة: {ونَقْلِبُهم} مثلها، إِلا أنه بالنون. {ذاتَ اليمين} أي: على أيْمانهم وعلى شمائلهم. قال ابن عباس: كانوا يُقلَّبون في كل عام مرتين، ستة أشهر على هذا الجنب، وستة أشهر على هذا الجنب، لئلا تأكل الأرض لحومهم. وقال مجاهد: كانوا ثلاثمائة عام على شِقّ واحد، ثم قُلِّبوا تسع سنين. قوله تعالى: {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} أخبر أن الكلب كان على مثل حالهم في النوم، وهو في رأي العين منتبه. وفي الوصيد أربعة أقوال.
أحدها: أنه الفِناء فِناء الكهف، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك، وقتادة، والفراء. قال الفراء: يقال: الوَصِيد والأَصِيد لغتان، مثل الإكفاف والوكاف. وأرَّخت الكتاب وورَّخت، ووكدت الأمر وأكَّدت؛ وأهل الحجاز يقولون: الوَصيد، وأهل نجد يقولون: الأَصِيد، وهو: الحظيرة والفِناء.
والثاني: أنه الباب، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال السدي. وقال ابن قتيبة: فيكون المعنى: وكلبهم باسط ذراعيه بالباب، قال الشاعر:
بِأرْضِ فَضَاءٍ لا يُسَدُّ وَصِيدُها *** عليَّ ومَعْرُوفي بها غيرُ مُنْكَرِ
والثالث: أنه الصعيد، وهو التراب، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، ومجاهد في رواية عنهما.
والرابع: أنه عتبة الباب، قاله عطاء. قال ابن قتيبة: وهذا أعجب إليَّ، لأنهم يقولون: أَوصِد بابك، أي: أَغلِقه، ومنه قوله: {إِنها عليهم مؤصَدة} [الهُمَزة: 8]، أي: مُطْبَقة مُغْلَقة، وأصله أن تلصق الباب بالعتبة إِذا أغلقته، ومما يوضح هذا أنك إِذا جعلت الكلب بالفِناء، كان خارجاً من الكهف، وإِن جعلته بعتبة الباب، أمكن أن يكون داخل الكهف، والكهفُ وإِن لم يكن له باب وعتبة، فانما أراد أن الكلب موضع العتبة من البيت، فاستُعير.
قوله تعالى: {لو اطَّلعتَ عليهم} وقرأ الأعمش، وأبو حصين: {لوُ اطلعت} بضم الواو {لوليَّتَ منهم فراراً} رهبة لهم {ولملئت} قرأ عاصم، وابن عامر، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: {ولَمُلِئْتَ} خفيفة مهموزة. وقرأ ابن كثير، ونافع: {ولَمُلِّئْتَ} مشددة مهموزة، {رُعْباً} أي: فزعاً وخوفاً، وذلك أن الله تعالى منعهم بالرعب لئلا يدخل إِليهم أحد. وقيل: إِنهم طالت شعورهم وأظفارهم جداً، فلذلك كان الرائي لهم لو رآهم هرب مرعوباً، حكاه الزجاج.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8